المرتضى من البلمند: مبدأ العيش معا وسيلة لا بد منها لبقاء لبنان واستمراريته

شارك وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى  في حفل تكريم الدكتور مصطفى الحلوة في جامعة البلمند بدعوة من “منتدى شاعر الكورة الخضراء” و لمناسبة اطلاق كتابه  “مطارحات في أروقة المعرفة” .
وخلال الاحتفال، كانت مداخلة للمرتضى أكد فبها انه ” بعد أن يُعْلِنوا اختتامَ المحاكمةِ في الدعاوى التي ينظرون، ينصرفُ القضاةُ، وأنا منهم، إلى دراسة أوراق المِلف تمهيدًا لإصدار الأحكام فيه؛ فيبدأون بالشكْلِ: إنْ وجدوه صحيحًا موفور الشروطِ، قَبِلوا الدَّعوى وانتقلوا إلى بحْثِ موضوعِها والفصلِ فيه، وإلّا ردّوها شكلًا من دونِ عَناءِ الخوضِ في أساسِها. فالشكل، كما يقول “الدرباس”، هو حصن الأساس. هذا ما سأحاولُ فِعلَه في هذه الأمسية الثقافية، لا لأنظرَ في دعوى ولا لأُصدرَ حكمًا، بل اتِّباعًا مني لمنهجيةٍ في الكتابةِ أَلِفَتْها يُمنايَ واعتادَها قلمي من طولِ المـِراس”.
وأضاف “أما النقطةُ الأولى من حيثُ الشكلِ، فالمكانُ الذي قَلَّبَ الدَّهرَ أوجهًا: من قلعةٍ صليبيةٍ، إلى ديرٍ روميّ، فمدرسةٍ إكليريكيَّةٍ، فثانويةٍ، فمعهدِ لاهوتٍ، فجامعة، فمقرٍّ لغبطة الجالسِ على كرسيِّ أنطاكيا العظمى، فكلِّ هذا معًا؛ حتى يخيّل لك أنَّ البلمندَ التلَّةَ الجميلةَ بحسَبِ معنى العبارة الفرنسيّ، هي بالمعنى الحضاريِّ الراهن طَلَّةٌ جميلةٌ وارفةُ اللفَتاتِ على العصورِ جميعِها، يَزِفُّها تاريخٌ دائمُ المعاصَرةِ دوَّنَتْه الصلاةُ على ضوءِ الشموع، وحفِظَته الحجارةُ المعقودةُ حِنْياتٍ وقبابًا، وأسلمَتْه أكوازُ الصنوبرِ إلى نسائمَ من أقاصي المسكونةِ، وتنقَّلَ طويلًا بين الطبشور والحبرِ والدفاتر حتى بلغَ المختبراتِ والحواسيبَ وصهواتِ الأثير، في رسالةٍ مشرقيّةِ العنوان والمضمون أنَّ الإيمانَ لا بدَّ مكتملٌ سطوعًا إذا اقترنَ بالعلم الحديثِ والمعرفةِ المتخصِّصة والشهادة للحقّ”.
 
ورأى المرتضى انه “هكذا شاءَ الباني المؤسسُ البطريرك أغناطيوسُ الرابع، وهكذا تابعَ وزادَ صاحبُ الغبطةِ البطريركُ يوحنا العاشر، ورئاسةُ الجامعة بشخص الدكتور الياس الورّاق ومعاونيه الأكاديميين والإداريين، كي يكونَ الصرحُ الجامعيُ البلمنديُ الحديثُ تعبيرًا ناطقًا بهذه القيم الإيمانية الأصيلة، المضيئة كزيتِ الكورةِ في قناديل الدير العتيق. فَلِحِكْمَةٍ لا تخفى، كان لهذه البقعة من أرضِ لبنان دون سواها، أن تحتضنَ التراثَ الأنطاكيَّ المتجددَ الحضور، لأنها ما عُرِفَت إلا بالعلم والمواهب والتجذرِ في الفكرِ والانفتاح الثقافي… فضائلُ حملتها قاماتٌ كورانيةٌ اغتنى بها الوطنُ والعالم، في ميادين الحضارةِ جمعاء”.
وأردف “أما النقطةُ الثانيةُ من حيثُ الشكل، فهي الجهةُ الداعية والمدعوُّ لأجله والمتحدثون. خلاصةُ القولِ في هذا الخصوص أنني عندما قرأتُ بطاقةَ النَّدْوَةِ بما حملت من أسماء تذكَّرْتُ قول صاحب المزامير: (ما أجملَ وما أحبَّ أن يقيمَ الإخْوَةُ معًا) وسألتُ نفسي: كيف بهم إذا كانوا إخوةً من الصنف الذي قال عنه أبو تمام:
إنْ يختلِفْ نَسَبٌ يؤلِّفْ بينَنا  أدَبٌ أقَمْناهُ مَقامَ الوالدِ
وخلَصْتُ إلى أنَّ الأُخُوَّةَ الأدبيةَ التي تجمَعُ المنتدين، تحفِزُني أكثرَ على تكرارِ المناداةِ بالمواطَنةِ الثقافية، كأرقى صفاتِ الانتماءِ إلى لبنانَ الرسالة. إنها مواطَنةٌ جوهرُها الفكرُ وأساسُها الحوار العقلانيُّ البناء، بعيدًا عن العصبيّات التي تستثيرُ النعراتِ بأنواعِها المختلِفة. وهذا يدفعُني، كوزيرٍ للثقافة، إلى الحِرْصِ على تعميمِ المناسباتِ الثقافية في جميع أنحاء لبنان، عُمْقًا بحثيًّا وامتدادًا جغرافيًّا ومواكبةً وزاريةً والأهم: فرحاً بالتنوّع ودعوةً الى التمسّك بمبدأ العيش معاً كوسيلةٍ لا محيد عنها لبقاء الكيان وتبشيراً بقابليته للإستمرار على ارض الواقع وبذلك تكون وزارة الثقافة على سكة سير معاكسة لكلّ ما يحاك لهذا البلد على رجاء أن تثمر جهودها وعياً وقناعةً بأن الثقافة والتنوع وخيار العيش معاً هم رابطةُ الوحدةِ الوطنية الصافية وسبيلَ الإنماءِ المعرفيِّ المحقّق للمناعة”. 
وقال المرتضى “أما النقطةُ الثالثةُ من حيثُ الشكل، فالكتابُ موضوعُ هذه الندوة. إنّه مصنَّفٌ ضخمٌ جمع فيه المؤلف حصاد مداخلاته الأدبية والفكرية عن بيادر المنابر، ومطارحاته في المنتديات، أغمارَ قمحٍ كثيرٍ بلا زؤان. لكنني ألْفِتُهُ إلى أن المعرفةَ لا ينبغي لها أن تقيمَ في الأروقةِ، ولها السماءُ منزلٌ رَحْبُ الجهات. فليتَه جَعَلَ عنوانَ الكتاب: “مطارحاتٌ في فضاء المعرفة”. ذلك أن تصفحي للمحتوياتِ على العَجَلِ الذي سمحَ الوقتُ القصيرُ الذي كان لي منذ تسلمتُ الكتابَ في مطلع هذا الأسبوع، أظهرَ لي غنًى واتّساعًا تميَّزَ بهما، وجَوَلانًا في مداراتٍ رحيبةٍ من آفاق الفكرِ الحر”.  
واعتبر أن “هذه القراءةُ السريعة في الشكل على هامشِ المضمون، لا تكفي لإبراز ما في الكتاب من مضامين. لكنني على يقينٍ بأن المتحدِّثين سوفَ يوفونَه ما يستحق. أما أنا فيبقى عليَّ أن أذكِّرَ من يسمعون الصوت، بأنَّ الغلبةَ في لبنانَ لن تكونَ إلا للحقّ وللفكرِ الإنساني الخلاّق الذي يكون على مثالِ ما تصنعُ هذه الجامعةُ وما يصنعُ منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة، فبهما تترسَّخُ قواعدُ العيش الوطني الواحد ويُصان الوطن وتتأمَّنُ الحقيقةُ وتُنالُ العدالة”.
كما أشار المرتضى الى انه “في هذا الجو الطبيعي المفعَم بالهدوءِ والسلام، لا أريدُ أن أُنغِّصَ حفلكم بمزيدٍ من الكلامِ في السياسة، أو بالحديث في أزماتِنا المتراكمة. فإننا جديرون بساعةٍ من الفرحِ، أو بدقائقَ من نسيانٍ مؤقَّتٍ للويلات النازلةِ بنا. لكنْ بِحَسْبي أن أخاطبَ اللبنانيين من ههنا بالقول: إن لبنان الثقافة والحضارة والفكر لا يمكن أن ينأى عن لبنان العدالة، ولبنان العدالة هو لبنان الرسالة التي ننشدها جميعا ونتلوها انجيلا وقرآنا فالمسيح أراد لمن لم يكن له سيف أن يبيع رداءه ويشتره”.. ولم يُرد بذلك الا طرد اللصوص من هيكله، وفي القرآن الكريم:( لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) أي أن ايماننا مسيحيين ومسلمين تختصره كلمة: عدالة.. ولعل أخطر ما يصيب العدالة هو أن تتعرض للسطو والمصادرة ممن يحمل سوطها ويزعم أنه يضرب بسيفها، والأخطر من ذلك أن يقودها ثم يصوّره لنا بعض الإعلام المأجور بأنّه سفينة النجاة وباب الخلاص للوطن وهو في واقع الأمر ينأى بالوطن عن طريق العدالة ويجنّب المرتكبين الفعليين الملاحقة والعقاب ويسعى هو ومشغلوه الى إستيلاد الفتن والى بث الفرقة وتأليب اللبنانيين بعضهم على بعض وزرع القناعة بأنه لا يمكن لنا الإستمرار في مبدأ العيش معاً”.
وختم قائلا: “إن الانتصار للبلد في هذه اللحظات العصيبة التي نعيش فيها أقصى معاناة القهر والفقر والجوع وانسداد الآفاق ينبغي أن يكون هو العنوان الذي نعمل له من حيث نعمل للعدالة الحقّة، لأننا نوشك أن نخسر بلداً بكامله لأسباب تجمّعت وتكاثرت في لحظات صعبة وعلى رأس هذه الاسباب قرارات تصدر وأهواءٌ تُتّبع وأجندات شخصية وخارجية تنفّذ لا تمت بصلة لا للحقيقة ولا للعدالة وتضرب عرض الحائط بالدستور والقوانين المرعية الإجراء، ومن حق وطننا علينا أن نمسك يد الظالم فنحن مأمورون من ربّنا بأن لا نركن الى الذين ظلموا ونحن ” أسد غاب متى ساورتنا الفتن” وسوف نجهض بإذن الله مكيدة الكائدين.

You May Also Like

More From Author